فصل: سورة البروج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (22- 25):

{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}
{بل الذين كفروا يكذبون} يعني بالقرآن والبعث {والله أعلم بما يوعون} يعني يجمعون في صدورهم من التكذيب {فبشرهم بعذاب أليم} يعني على عنادهم وكفرهم {إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم أجر غير ممنون} يعني غير مقطوع ولا منقوص في الآخرة، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة البروج:

.تفسير الآيات (1- 4):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)}
قوله عز وجل: {والسّماء ذات البروج} يعني البروج الاثني عشر وإنما حسن القسم بها لما فيها من عجيب حكمة الباري جلّ جلاله، وهو سير الشّمس والقمر الكواكب فيها على قدر معلوم لا يختلف وقيل البروج والكواكب العظام سميت بروجاً لظهورها {واليوم الموعود} يعني يوم القيامة {وشاهد ومشهود} عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة، والمشهود يوم عرفة، والشّاهد يوم الجمعة ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه» أخرجه الترمذي وضعف أحد رواته من قبل حفظه وهذا قول ابن عباس والأكثرين أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وقيل الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر وقيل الشاهد يوم التّروية، والمشهود يوم عرفة وإنما حسن القسم بهذه الأيام لعظمها وشرفها، واجتماع المسلمين فيها، وقيل الشاهد هو الله تعالى والمشهود يوم القيامة، وقيل الشّاهد هم الأنبياء والمشهود أي عليهم هم الأمم وقيل الشاهد هو الملك والمشهود أي عليه هو آدم وذريته، وقيل الشّاهد هذه الأمة ونبيها صلى الله عليه وسلم والمشهود عليهم هم الأمم المتقدمة، وقيل الشّاهد الأنبياء والمشهود له هو محمد صلى الله عليه وسلم لأن الأنبياء قبله شهدوا له بالنبوة وقوله، {والسّماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود} أقسام أقسم الله تعالى بها لشرفها، وعظمها. وجواب القسم قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود} أي لعن وقتل وقيل جوابه {إن بطش ربك لشديد} والأخدود الشق المستطيل في الأرض.
واختلفوا فيهم فروي عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك إليه راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى السّاحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى السّاحر ضربه، إذا رجع من الساحر قعد إلى الراهب وسمع كلامه، فإذا أتى أهله ضربوه فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر، فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال اليوم أعلم الرّاهب أفضل أم الساحر فأخذ حجراً ثم قال اللّهم إن كان أمر الرّاهب أحب إليك من أمر السّاحر، فاقتل هذه الدّابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها فمضى الناس، فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك مبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي النّاس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ها هنالك أجمع إن أنت شفيتني قال إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت بالله دعوت عز وجل فشفاك فآمن به فشفاه الله عز وجل فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك فقال ربي: فقال أو لك رب غيري قال ربي، وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دله على الغلام فجيء بالغلام، فقال له الملك أي بني إنه قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الرّاهب فجيء له بالرّاهب، فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالميشار فوضع الميشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك، فقيل له ارجع عن دينك فدعا بالميشار فوضع الميشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال لهم اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللّهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل، فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك؟ قال كفانيهم الله تعالى فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فقال: وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع نخل ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل بسم الله رب الغلام ثم ارمني به فإنك إن فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده على صدغه موضع السهم فمات، فقال الناس آمنا برب الغلام ثلاثاً، فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد، والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السّكك فخدت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ففعلوا ذلك حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أماه اصبري ولا تقاعسي فإنك على الحق» هذا حديث صحيح أخرجه مسلم.
وفي هذا الحديث إثبات كرامات الأولياء، وفيه جواز الكذب في مصلحة ترجع إلى الدين، وفيه إنقاذ النفس من الهلاك والأكمه هو الذي خلق أعمى، والميشار بالياء وتخفيف الهمزة وروي بالنون وذروة الجبل بالضم والكسر أعلاه، ورجف تحرك واضطرب والقرقور بضم القاف الأولى السفينة الصغيرة وانكفأت انقلبت، والصّعيد هنا الأرض البارزة والسّكك الطّرق والأخدود الشّق العظيم في الأرض، وأقحموه أي ارموه وتقاعست أي تأخرت وكرهت الدخول في النار. وقال ابن عباس: «كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن شرحبيل بن شراحيل في الفترة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة، وكان في بلاده غلام يقال له عبد الله بن تامر، وكان أبوه يسلمه إلى معلم يعلمه السحر فكره ذلك الغلام ولم يجد بداً من طاعة أبيه فجعل يختلف إلى المعلم وكان في طريقه راهب حسن القراءة حسن الصوت فأعجبه ذلك». وذكر نحو حديث صهيب وقال وهب بن منبه: إن رجلاً كان قد بقي على دين عيسى، فوقع إلى نجران فأحبوه فسار إليه ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير وخيرهم بين النّار واليهودية، فأبوا عليه فخدّ الأخدود وحرق اثني عشر ألفاً ثم غلب أرياط على اليمن فخرج ذو نواس هارباً، فاقتحم البحر بفرسه فغرق.
وقال: محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر إن خربة احتفرت في زمن عمر بن الخطاب، فوجدوا عبد الله بن تامر واضعاً يده على ضربة في رأسه، إذا أميطت يده عنها انبعثت دماً، وإذا تركت ارتدت مكانها وفي يده خاتم حديد فيه مكتوب ربي الله فبلغ ذلك عمر، فكتب أن أعيدوا عليه الذي وجدتم عليه.
وقال سعيد بن جبير وابن أبزى لما انهزم أهل اسفندهار، قال: عمر بن الخطاب أيُّ شيء يجري على المجوس من الأحكام، فإنهم ليسوا بأهل كتاب، فقال علي بن أبي طالب بلى قد كان لهم كتاب، وكانت الخمر قد أحلّت لهم فتناولها ملك من ملوكهم، فغلبت على عقله فوقع على أخته فلما ذهب عنه السكر ندم، وقال لها ويحك ما هذا الذي أتيت وما المخرج منه قالت: المخرج منه أنّك تخطب الناس وتقول إنّ الله قد أحل نكاح الأخوات فإذا ذهب في الناس وتناسوه خطبتهم فحرمته. فقام خطيباً بذلك فقال إن الله قد أحل لكم نكاح الأخوات فقال الناس بأجمعهم معاذ الله أن نؤمن بهذا أو نقر به، ما جاءنا به من نبي، ولا أنزل علينا في كتاب، فبسط فيهم السوط فأبوا أن يقروا، فجرد فيهم السيف فأبوا أن يقروا به فجرد لهم الأخدود، وأوقدوا فيها النيران وعرضهم عليها فمن أبى قذفه في النار ومن أجاب أطلقه.

.تفسير الآيات (5- 10):

{النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}
وقوله تعالى: {النار ذات الوقود}، هو تعظيم لأمر تلك النار قال الربيع بن أنس نجى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار يقبض أرواحهم، قبل أن تمسهم النار وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم {إذ هم عليها قعود}، أي جلوس عند الأخدود {وهم} يعني الملك الذي خد الأخدود وأصحابه {على ما يفعلون بالمؤمنين} أي من عرضهم على النار وإرادتهم أن يرجعوا إلى دينهم {شهود} أي حضور وقيل يشهدون أن المؤمنين ضلال حين تركوا عبادة الصنم، {وما نقموا منهم} قال ابن عباس ما كرهوا منهم {إلا أن يؤمنوا بالله}، وقيل ما عابوا ولا علموا فيهم عيباً إلا إيمانهم بالله {العزيز}، يعني إن الذي يستحق العبادة هو الله العزيز الغالب القاهر الذي لا يغالب ولا يدافع، {الحميد} يعني الذي يستحق أن يحمد ويثنى عليه، وهو أهل لذلك وهو الله جل جلاله، {الذي له ملك السموات والأرض} أي فهو المستحق للعبادة {والله على كل شيء} أي من أفعالهم بالمؤمنين. {شهيد} وفيه وعد عظيم للمؤمنين ووعيد عظيم للكافرين.
قوله عزَّ وجلَّ: {إن الذين فتنوا} أي عُذِّبوا وأحرِقُوا {المؤمنين والمؤمنات} أي بالنار {ثم لم يتوبوا} أي لم يرجعوا عما هم عليه من الكفر وفيه دليل على أنهم إذا تابوا وآمنوا يقبل منهم، ويخرجون من هذا الوعيد، وأن الله تعالى يقبل منهم التوبة، وأن توبة القاتل مقبولة، وأنهم إن لم يتوبوا {فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} يعني لهم عذاب جهنم بكفرهم، ولهم عذاب الحريق بما أحرقوا المؤمنين، وقيل لهم عذاب الحريق في الدنيا وذلك أن الله أحرقهم بالنار التي أحرقوا بها المؤمنين ارتفعت إليهم من الأخدود فأحرقتهم، ولهم عذاب جهنم في الآخرة ثم ذكر ما أعد للمؤمنين.

.تفسير الآيات (11- 20):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)}
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير}. قوله عزّ وجلّ: {إن بطش ربك لشديد} قال ابن عباس إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة لشديد. {إنه هو يبدئ ويعيد} أي يخلقهم أولاً في الدنيا، ثم يعيدهم أحياء بعد الموت ليجازيهم بأعمالهم في القيامة {وهو الغفور} يعني لذنوب جميع المؤمنين. {الودود} أي المحب لهم، وقيل المحبوب أي يوده أولياؤه ويحبونه، وقيل يغفر ويود أن يغفر، وقيل هو المتودد إلى أوليائه بالمغفرة. {ذو العرش} أي خالقه ومالكه. {المجيد} قرئ بالرفع على أنه صفة لله تعالى لأن المجد من صفات التعالي والجلال، وذلك لا يليق إلا بالله تعالى. وقرئ المجيد بالكسر على أنه صفة للعرش أي للسرير العظيم إذ لا يعلم صفة العرش وعظمته إلا الله تعالى وقيل أراد حسنه فوصفه بالمجيد فقد قيل إن العرش أحسن الأجسام، ثم قال تعالى: {فعال لما يريد} يعني أنه لا يعجزه شيء ولا يمنع منه شيء طلبه، وقيل فعال لما يريد لا يعترض عليه معترض، ولا يغلبه غالب، فهو يدخل أولياءه الجنة برحمته، لا يمنعه من ذلك مانع، ويدخل أعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر. {هل أتاك} أي قد أتاك {حديث الجنود} أي خبر الجموع الكافرة الذين تجندوا على الأنبياء ثم بين من هم فقال تعالى: {فرعون} يعني وقومه {وثمود} وكانت قصتهم عند أهل مكة مشهورة {بل الذين كفروا} أي من قومك يا محمد. {في تكذيب} يعني لك وللقرآن كما كذب من كان قبلهم من الأمم، ولم يعتبروا بمن أهلكنا منهم {والله من ورائهم محيط}، أي عالم بهم لا يخفى عليه شيء من أعمالهم يقدر أن ينزل بهم ما أنزل بمن كان قبلهم.

.تفسير الآيات (21- 22):

{بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}
{بل هو قرآن مجيد} أي كريم شريف كثير النفع والخير ليس هو كما زعم المشركون أنه شعر وكهانة. {في لوح محفوظ} قرئ بالرفع على أنه نعت للقرآن، محفوظ يعني أن القرآن من التبديل والتغيير والتحريف، وقرئ محفوظ بالكسر على أنه نعت للوح لأنه يعرف باللوح المحفوظ وهو أم الكتاب، ومنه تنسخ الكتب وسمي محفوظاً لأنه حفظ من الشياطين من الزيادة والنقص، وهو عن يمين العرش، وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال: «إن في صدر اللوح لا إله إلا الله وحده دينه الإسلام، ومحمد عبد ه ورسوله، فمن آمن بالله عزّ وجلّ وصدق بوعده واتبع رسله، أدخله الجنة» وقال: واللوح لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وحافتاه الدر والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء، وقلمه من نور، وكلامه سر معقود بالعرش وأصله في حجر ملك والله تعالى أعلم بمراده.

.سورة الطارق:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)}
قوله عز وجل: {والسماء والطارق} قيل نزلت في أبي طالب وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأتحفه بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم ناراً ففزع أبو طالب، وقال: أي شيء هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا نجم رمي به، وهو آية من آيات الله»، فعجب أبو طالب فأنزل الله والسماء والطارق يعني النجم يظهر بالليل، وكل ما أتاك بالليل فهو طارق، ولا يسمى ذلك بالنهار، وسمي النجم طارقاً لأنه يطرق بالليل قالت هند:
نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق

تريد أن أباها نجم في علوه وشرفه. {وما أدراك ما الطارق} قيل لم يكن صلى الله عليه وسلم يعرفه، حتى بينه الله له بقوله: {النجم الثاقب}، أي المضيء المنير، وقيل المتوهج، وقيل المرتفع العالي، وقيل هو الذي يرمى به الشيطان فيثقبه أي ينفذه، وقيل النجم الثاقب هو الثريا لأن العرب تسميها النجم، وقيل هو زحل سمي بذلك لارتفاعه، وقيل هو كل نجم يرمى به الشيطان لأنه يثقبه فينفذه، وهذه أقسام أقسم الله بها، وقيل تقديره ورب هذه الأشياء وجواب القسم: